الأربعاء، 26 ماي 2010
الأولى
أمسك تلك العلبة التي تحوي معدّات الإتصال الخاصة بشبكة التدفق العالي و هو يشعر بفرحة عارمة... أخيرا تمت الموافقة على مطلبه بالإيجاب... بعد أسبوع من الإنتظار.

اتّصل به صاحب محل مختص في بيع المنتجات الخاصة بأجهزة الإعلامية يخبره أن مطلبه قد أصبح جاهزا و عليه الاتصال به لتسلم المعدات الخاصة.

تساءل عند تقديمه المطلب عن سر كل تلك النسخ التي كان عليه ان يمضيها، فأخبرته الفتاة ان كل نسخة ستتجه لإدارة خاصة بها بانتظار الموافقة: نسخة خاصة بمزود خدمات الأنترنات، و اخرى خاصة باتصالات تونس، و اخرى خاصة بالوكالة التونسية للانترنات

تساءل عن النسخة الاخيرة، ما الفرق بين هذه الادارة و ادارة المزود... لحظات من الصمت الرهيب، لتأتيه الإجابة مقتضبة

الداخلية

رغم تلك الابتسامة التي ارتسمت على ملامحها، أصيب برهبة لم يعرف لها معنى و تسارعت دقات قلبه... اراد ان يتساءل إن كان الاجراء معمما على جميع المشتركين أم هو فقط للبعض ممن يستراب في امرهم، لكن خوفه من تلقى إجابة قد لا تروقه جعله يلتزم الصمت و يكتفي ببلع ريقه

مضت أيام منذ أن تقدّم بمطلبه، أخبرته تلك الفتاة ن الامر لن يستغرق سوى ثلاثة أو أربعة أيام... و ها هو اليوم الخامس، فالسادس يمرّ

ماذا لو رفضت الداخلية مطلبه... ماذا لو كان مشبوها؟؟

أخبره أحد الفتية أيضا في ذلك المحل العمومي للانترنت القريب من مقر عمله أن الداخلية هي من اجبرتهم على وجوب استظهار الحرفاء ببطاقة التعريف الوطنية...

ماذا لو اكتشفت الداخلية أنه كان بصدد الولوج لبعض المواقع الممنوعة؟؟... لم يكن يدري ان كان قد مر في احدى المرات القليلة التي كان له فيها أن يبحر عبر الشبكة ببعض تلك المواقع، لم يكن يعلم ما هي تلك المواقع الممنوعة التي كان يسمع البعض يتحدث عنها احيانا

ما يزال حديث العهد بهذا العالم الغريب... ليست له أية ميولات و لكنه أصبح يشعر بالحرج كلما سأله احدهم إن كان مشتركا بالانترنت فيجيب بالرفض

يسمع كثيرا عن الفايسبوك، القوقل، السكايب، البروكسي، التشات... مصطلحات كثيرة و غريبة كلما حفظ احدها إلا و نسي الآخر، كان يدوّن بعض الملاحظات على قطع ورق صغيرة اثر كل محادثة يتطرّق قيهاالحديث للشبكة العنكبوتية، ملاحظات كانت في معظمها أسماء لمواقع لا يعلم ماهيتها

ذهب بضع مرات الى احد المحال العمومية للانترنت يستكشف هذا العالم، أمضى في إحداها بضع ساعات و هو يحاول جاهدا الدخول الى الفايسبوك دون جدوى... سأل أحد أصدقاءه عن سبب عدم تمكّنه من الدخول الى الفايسبوك، فشرح له الامر... بدى الامر بسيطا لكنه لم يفهم منه شيئا، ماذا يكون هذا الاي-مايل، و كالعادة كان جخله دافعا له ليلزم الصمت

استقبلته نفس الفتاة و نفس الابتسامة تعلو محياها... أخبرته ان مطلبه قد قبل بالإيجاب منذ ثلاثة أيام و انهم اضطروا اخيرا للاتصال به لاعلامه

تنفّس الصعداء و هو يخرج من المحل... فرحه لم يكن لحصوله على المعدات و تمكنه مستقبلا من الابحار عبر الانترنت متى أراد ذلك و بالقدر الذي يريده، و لا لعدم اضطراره مستقبلا أن يذهب لذلك المحل البغيض و يستظهر ببطاقة تعريفه كما لو كان مطلوبا لدى العدالة

فرحه كان بكل بساطة كون الداخلية قد وافقت على مطلبه... ما يعني انه و حتى تلك اللحظات، يعتبر مواطنا صالحا

كانت الفتاة قد شرحت له كيفية تركيب المعدات قصد الإبحار... العملية تبدو سهلة، و كانت كذلك

لحظات و اشتعل الزر الأحمر... و تحول بعد بضع دقائق إلى اللون الأخضر

كان قد قرأ في أحد الجرائد مقالا، ادرك رغم أنه لا يفقه من الأمر شيئا مدى تفاهته و تفاهة كاتبه... لكن جمله تكررت بكثرة في ذلك المقال طبعت في ذاكرته و لم يكن لها ان تمحى بسهولة

تقول الجملة التي دونها مرارا و تكرارا في تلك الأوراق التي كان يدوّن عليها ملاحظاته أن الانترنات قد حوّلت العالم إلى قرية صغيرة

ابتسم و هو يستعد لفتح متصفخ الأنترنات... مرحبا أيها العالم

0