الجمعة، 28 ماي 2010
الثالثة
يفيق من النوم مذعورا، ينتبه إلى ان جبينه يتصبب عرقا و بدنه يرتعش بقوة جعلته يتخيل أنه ينتفض... كان حلما مزعجا، لا، بل كان كابوسا

يحاول جاهدا تجميع شتات أفكاره لتذكر ما كان قد رآه في أثناء نومه، يتعسّر عليه ذلك... إحساس غريب بالخوف يتملّكه لا يجد له سببا...

يجول ببصره في أرجاء الغرفة، المصباح لا يزال مضاء لم يطفئه، و لم يكن قد سبق له أن قام بإطفائه... من ميزات أن تعيش منفردا هو ان تتصرف بحرية دون رقيب يتابع كل تصرفاتك و حسيب ينتظر أي هفوة قد تصدر عنك لتذكيرك بها كانها الطامة الكبرى... تعيش على النمط الذي تختاره لنفسك، بل تخلق لنفسك نمطا خاصا بك... و الأحلى من كل هذا ان لا تلتزم بأي نمط مطلقا، تعيش على هواك و لا تلتزم إلا بما تمليه عليك أفكارك في اللحظة ذاتها.

الحاسوب أيضا لا يزال مضاء... رغم أن الشاشة كانت قد انطفأت من تلقاء نفسها، إلا ان الطنين الذي تصدره المروحة جعل من السهل عليه التفطن لذلك... لم تكن الصفقة رائعة تماما كما قال له زميله، الجهاز يصدر أصواتا مزعجة، و إن كان البعض قد اخبره ان الامر سيان حتى مع الأجهزة الجديدة... تلك هي التكنولوجيا الصينية التي تغزو العالم دونما رادع

يساعده النظر إلى الحاسوب على تجميع بعض من شتات افكاره و تتضح له الصورة رويدا رويدا... و يبتسم من تفاهة الحلم

كان يرى فيما يرى النائم نفسه عالقا في شبكة كبيرة جدا... كالحشرة و قد علقت في شبكة العنكبوت... و انتبه رويدا انه عالق في شبكة تشبه إلى حد كبير شبكة العنكبوت، بل إنها لا تعدو سوى كونها شبكة عنكبوتية ملائمة لحجمه

كان يسمع دوما بهاته التسمية في التلفاز، كلما تطرق الحديث إلى الانترنت إلا و اطنب المذيع في التركيز على هاته العبارة: الشبكة العنكبوتية... حتى انه ادرك رغم جهله بأبسط ابجديات هذه التقنية انها مجرد تسمية حفظوها عن ظهر قلب و يستمتعون بترديدها كالتلميذ الذي يصرّ على استعمال تعاريف استاذه على الرغم من عدم قناعته بها

الكابوس كان عبارة عن كونه عالقا في تلك الشبكة و قد شلت حركة اطرافه، لم تجد نفعا محاولاته الإفلات... و فجاة إذ بعنكبوت كبير تتمشى على خيوط تلك الشبكة، كانت العنكبوت تبتسم له ابتسامة ماكرة تحمل في طياتها دهاء، و كان احدهم يمتطي تلك العنكبوت... ملامحه كانت تبدو له مألوفة، مازالت حديثة

انتفض فجأة... تعرف على ملامح ذلك الشخص، كان صديقا له، زميلا في العمل... كان ذلك الصديق الذي صادف أن كانت صورته موجودة على فايسبوكه... تتسارع دقات قلبه في نمط غريب و ينتبه إلى ان اطرافه قد عادت ترتعش مرة أخرى

تعود بعض التساؤلات لتسيطر على تفكيره... كيف عرف الفايسبوك أنه يعرف ذلك الشخص؟... و لماذا ذلك الصديق بالذات؟...

جميع الزملاء في العمل يملكون حسابات على الفايسبوك، قد يكون ذلك الصديق أكثرهم إطنابا في الحديث عن مغامراته الفايسبوكية و تباهيا بما يؤتيه من أفعال و أشياء و إن لم يفقه الكثير منها و لم يستطع أن يجد حتى وصفا لها يمكّنه من تدوينها على إحدى القصاصات الورقية، لكن صمت البقية و عدم معارضته بل و إسراعهم إليه كلما رغبوا في طرح بعض الأسئلة يجعل من الواضح أنه اكثرهم إلماما بأبجديات هذا الموقع...

هو نفسه كلما تبادر إلى ذهنه سؤال يتعلق بتعامله مع شبكة الانترنات يجد نفسه و دونما وعي منه يتجه مباشرة إلى ذلك الصديق... كان يعلم انه إن لم يجد إجابة لديه فلن يجدها لدى غيره، و إن كان على قناعة مسبقة انه لن يفهم شيئا مما سيجيبه به و لا يدري إن كان ذلك لعجر لديه يمنعه من تقبل تلك المصطلحات الغريبة ام من عدم قدرة الصديق على إيصال المعلومة بطريقة سلسة...

انتفض مرة أخرى حين تذكر حديث الفتاة في ذلك المحل الذي قصده للاشتراك عبر خدمة التدفق العالي... الداخلية

قد تكون الداخلية على علم بجميع علاقاته... ربما أرسلوا من يبحث عن السر وراء طلبه الاشتراك بشبكة الانترنات في هذا الوقت بالذات، كان وقتا كغيره من الاوقات و لم يكن هناك من حدث خاص... لكنهم بالتاكيد علموا ان ذلك الصديق كان من نصحه بضرورة الاشتراك في الانترنت حتى يكون مواكبا للعصر، التطور، الحداثة، العولمة... و كل تلك المفردات المضخّمة التي لم يكن يرى لها من ضرورة

يسمع أيضا عن شبكة الفايسبوك... قرأ أيضا ان عديد المنظمات الاستخباراتية تستعمل هذه الشبكة للتجسس على مختلف شعوب العالم... المخابرات الامريكية، السي أي آي... المخابرات الاسرائيلية، الموساد... المخابرات المصرية، ادهم صبري...

لم يستطع ان يمنع نفسه من الضحك رغم جسامة الموقف الذي يحس أنه يمر به... هل ترانا نملك جهازا للمخابرات كتلك الاجهزة، الأكيد اننا نملك مثل تلك الاجهزة، و إلا كيف تراهم علموا بالعلاقة التي تربطه بذلك الصديق

حاول جاهدا ان يجد تفسيرا لكيفية وصول المعلومة لشبكة الفايسبوك... هل تراه في اطار تبادل للمعلومات؟... ام تراهم الامريكان بصدد التجسس على ملفاتنا؟... في جميع الاحوال، لن تروقه الإجابة التي سيتوصل إليها

لم يملك سوى أن يلعن الامريكان، و الصهاينة... و اجهزة مخابراتهم، و جهاز مخابرات بلده (و إن كان في نفسه بعض الشك بوجود مثل هذا الجهاز)... يلقى نظرة على تلك الساعة الحائطية، السادسة و النصف صباحا، يمكن أن يخلد للنوم بضع ساعة اخرى قبل ان يستفيق استعدادا للذهاب الى العمل... سينام بملابسه، سيوفر عليه ذلك بعضا من الوقت.

جذب طرف اللحاف، و دون أن يتململ، كان قد غط في نوم عميق...

0