الأحد، 30 ماي 2010
الرابعة
استيقظ من النوم... نظر إلى الساعة المعلقة على الحائط، السابعة و النصف صباحا.

قد يتأخر عن العمل، لكن لا بأس في ذلك... ترتسم ابتسامة خفيفة على وجهه حين يتذكر مجريات ليلة البارحة... أخيرا أصبح له حساب خاص على الفايسبوك، الفرحة ليست في تمكنه من فعل ذلك، بل كونه أصبح كغيره من زملائه في العمل... أصبح فايسبوكيا.

ينتهي بسرعة من حمامه الصباحي... يقف أمام المرآه، ملابسه التي نام بها رثة و حالته تدعو إلى الشفقة، لكن لا بأس بذلك، لم يهتم احد لحاله و لا يعتقد أن إحداهن قد تهتم لحاله
اليوم، يمكنها ان تؤجل ذلك ليوم آخر إن كانت مصرّة على ذلك... يقف أمام الحاسوب، يلقي نظرة أخيرة على صفحة الفايسبوك، و يقطع الكهرباء مباشرة على الجهاز، لم يعد لديه متسع من الوقت حتى ينتظر اجراءات الإغلاق الآلي التي نصحه الجميع بضرورة اتباعها.

يشغّل الهاتف الجوال، يضع سماعة البلوتوث في أذنه، يشغل المذياع و يعدّل مستوى الصوت ثم يربط الحزام... وضعيته قانونية، لن يضطر لقطع الاتصال وغلق الهاتف حين يلمح إحدى الدوريات عن بعد، او يضطرّ لتملّق ذلك العون و مجاراته فيما يرغب لمجرد انه يمسك الهاتف بيده و المقود باليد الاخرى... تنصّ ابجديات السياقة التي تعلمها أثناء سعيه للحصول على رخصة على وجوب مسك المقود بكلتا اليدين، و لكنه لا يتذكر التزامه بهاته القاعدة البتة... يمسك المقود بيد واحدة بينما تكون الأخرى منشغلة ببعض الامور الاخرى، حتى حين لا يجد لها شيئا تفعله، يخرجها من الشباك سعيا لتحسس الرياح و تقدير مستوى سرعتها... و منذ صدور القانون الجديد وجد نفسه مضطرا لاشتراء سماعة بلوتوث... أعلمه البعض انه قد يمكن اعتباره مخالفا لو لمح عون المرور طرف خيط السماعة التقليدية المتدلي من اذنه، و يعلم عن تجربة انه بوسعهم رؤية ذلك متى أرداوا رؤيته... وجد ان الحل في سماعة البلوتوث، لم يرد ذكرها في نص القانون و لن يرد ذكرها في القريب العاجل، حتى إن فعلوا، ستكون احد التكنولوجيات الحديثة قد برزت لتمثل ثغرة في تنفيذ ذلك القانون

يجري بعض الاتصالات الروتينية التي اعتاد اجراءها كل صباح، يُطمئن الوالدة على احواله و بذلك يَطمئنّ بدوره على أحوالها، يتصل ببعض الأصدقاء، و بزميل له بالعمل يعلمه باحتمال تاخره اليوم... يتاخّر يوميا هعن العمل و لكن تأخره اليوم سيكون اكثرمن المعتاد، لا يذكر انه قد وصل يوما في الموعد المحدد كبقية زملائه الذين يضطرّون عن طيب خاطر لترقيم بطاقته.

يركن السيارة في المكان المعتاد له، و يلقي نظرة تأملية على بقية السيارات الموجودة بالموقف، جميعهم هنا... يقف أمام الدرج المؤدي إلى المدخل، يبتسم ابتسامة خفيفة حين يتذكر مجريات أحداث الليلة الفارطة، لن يكون مغيّبا في احاديثهم بعد الآن، كل له فايسبوكه.

مر اليوم ثقيلا جدا... يحس بإنهاك لم يشهد له مثيلا منذ زمن بعيد... ارتمى على الفراش بثيابه التي نام بها ليلة البارح، لم يفكّر حتى ان ينزع حذاءه... فكّر في الأمر لبعض لحظات، لو نزع حذاءه، عليه أيضا نزع جواربه و من ثمة غسل ساقيه حتى لا تنتقل رائحتهما إلى اللحاف... قد لا يعير بالا لمثل تلك الروائح التي لا يكون لها تاثيرمباشر على رغبته في النوم متى أراد ذلك، لكن صديقته السابقة كانت تنفر كثيرا من تلك الرائحة، انصرف كل الى حال سبيله و ليست له صديقة الآن و لكن عليه أن يعوّد نفسه، فقد تكون صديقته القادمة كسابقتها حساسة لمثل هذه الامور.

لم يتجادذبوا اطراف الحديث كالمعتاد، كان العمل متراكما لدرجة قلما عهد لها مثيلا... أعلم أحد أصدقائه باشتراكه في خدمة التدفق العالي و امده باسمه تماما كما دونه على حساب الفايسبوك، تذكر و هو يمدّه باسمه ان عليه ان يكتبه على بضع قصاصات ورقية ليوزعها على بقية الزملاء، و تذكّر ان هناك بعض القصاصات التي سبق له ان دوّن عليها بعض الملاحظات عليه اخذها من درج مكتبه، قد تصلح له المعلومات التي تحتويها خلال إبحاره عبر الشبكة العنكبوتية...

ابتسم و هو يتذكر الكابوس المزعج الذي تعرض له ليلة البارحة، تذكر ايضا انه لم ينم جيدا، و تذكر صديقة حين أعلمه بكل اسف ان الإدارة المسؤولة عن شبكة الإعلامية قد قررت منعهم من الدخول لموقع الفايسبوك، تذكر أيضا صديقته السابقة، ابتسم و هو ينهض من مكانه و يضغط على زر تشغيل الحاسوب

لم يلتقي بزميله الذي شاهده البارحة في الكابوس، و لم يرغب في أن يطرح تساؤلاته على بقية الزملاء خوفت من ان يكون محل سخريتهم... الحاسوب يعمل، ينتظر بكل لهفة اخضرار الزر الاحمر، لحظات عصيبة تمر كأنها ساعات

اشتعل الزر الاخضر، أسرع يفتح الفايسبوك... تنفّس الصعداء حين وجد أن حسابه قد فتح مباشرة، لم تقم الداخلية و من وراءها المخابرات و من ورائهم جميعا السي أي آي بإغلاق الحساب او قرصنته... دوّن اسم صديقته على خانة البحث، و دهش حين وجد صورتها، ازدادت جمالا عن آخر عهده بها

أصبحت على علاقة بشخص آخر... رغب في إضافتها كصديقة لكنه تراجع، تراكمت عدة تساؤلات في ذهنه محاولا تكهن رد فعلها حين تعلم انه يريدها صديقة من جديد، قد تعتقد انه يرغب في إعادة المياه إلى مجاريها، قد تعتقد أنه يريد التجسس عليها و على آخر اخبارها، قد تهزأ منه و ترفض الدعوة... يقرر اخيرا عدم دعوتها، لا ينكر اشتياقه إليها، لكن كرامته تبقى فوق كل اعتبار... فلتذهب إلى الجحيم، كان ذلك ما ردده في قرارة نفسه و هو يضغط على الزر الخاص بإضافة صديقها.


0